الكاتب إدريس زوزاني

الكاتب إدريس زوزاني

الأربعاء، 23 يوليو 2008

"العلاقات الإيرانية ـ العربية ومستقبل مصيرها"


العلاقات الإيرانية ـ العربية.
شهدت العلاقات الإيرانية العربية في فترات متفاوتة برودا تارة وسخونة تارة أخرى ومنذ فترة طويلة من الزمن...
هذه النوع من العلاقة بدأ بهذا الشكل منذ نشوء الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. وأخذت العلاقات بينهم طابع الخوف والتوتر المليء بالمؤامرة منذ البداية، كان هذا أثناء حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران. بعدها تبلورت هذه العلاقة حتى أنها أخذت طابعا من القبول المتبادل والاستعداد للتعاون بينهم في شتى المجالات ومنها السياسية، وكانت أسباب هذه العلاقات في كلا المجالين أي في برودتها وسخونتها، هي نتيجة تدخل الجهات الخارجية وخاصة الأمريكية منها، الفترة الرئيسية في تحريك هذه العلاقة كانت في بداية تسلم الإسلاميين زمام الحكم في إيران ونهاية حرب الخليج الثانية...
وفي الفترة الأخيرة بدأت ملامح هذه العلاقات تتبدل نحو الأفضل وتأخذ طابعا ايجابيا بشكل ملحوظ وازدادت حركة الاتصالات المتبادلة وازدادت حدة التشاور والتحاور في كافة المجالات بينهم، بحيث وصلت ذروتها عقد اتفاقيات ومعاهدات...
ولا ننسى الجانب الديني وهو الأهم بالنسبة للإيرانيين على الأقل، أنهم تواقون للسياحة الدينية وهناك أماكن دينية بالغة الأهمية بالنسبة لهم، منها في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية وكذلك مدينتي النجف وكربلاء في العراق وضريح السيدة زينب في الشام في سورية إضافة إلى مصر والأردن، فان تحسين العلاقات مع الدول العربية سيفتح الأبواب أمام تشجيع السياحة الدينية إليها...
وفي الجانب الأخر وفي حال تحسين العلاقات بينها وبين الدول العربية لاسيما دول الجوار سوف ينعكس هذا إيجابا على الحركة الاقتصادية الإيرانية ويشجع رأس المال العربي وبالأخص على الاستثمار في مناطق التجارة الحرة الإيرانية، وكذلك تبادل المنتجات الإيرانية الصناعية منها والزراعية إلى الدول العربية...
أما الجانب السياسي والأمني الإيراني في المنطقة فلا يمكن عزل تأثير الاستقرار السياسي على الوضع الاقتصادي وكذلك العكس. كما لا يمكن نكران تأثير الدول العربية على استقرار الوضع السياسي والأمني في إيران إذا ما أرادت تحريك هذا الجانب...
كما أن بعض المسائل متعلقة بيتهم وليس بالأمكان تمريرها بسهولة والتقليل من شانها في الوقت الحاضر لعدة أسباب، منها أن إيران دولة إسلامية وجارة لأكثر من دولة عربية، وأنها أيضا دولة غنية بالنفط ولها نفوذها ومكانتها ولأتقبل بتهميش أو تقليل دورها في المنطقة.

موقف الدول العربية في حال تعرض إيران إلى الضربة المحتملة.



العلاقة مع جمهورية العراق.
إن ما جرى في عام 2003 من المآسي والويلات على الشعب العراقي جراء ألأخطاء الفادحة التي ارتكبها النظام البائد لعدم تحمله المسؤولية الأخلاقية تجاه شعبه، حينما أعطى دول التحالف فرصة لضرب البلد، وعدم تمكنه إيجاد الطريقة المناسبة لتجنب الحرب المدمرة على شعبه، والإخفاق في كيفية التعامل مع الوضع المتأزم في تلك الفترة...
وهنا نتذكر الدور السلبي للدول العربية أثناء تلك الأحداث، حيث قامت بعض من هذه الدول بالدور الوسيط مع الحكومة العراقية آنذاك، وعدم استجابة النظام العراقي لتلك ألوساطات وتهميش دورهم أدى إلى تخلي تلك الدول عن موقفهم العروبي والبقاء في صف المتفرج لا بل المساعد لضرب العراق في حينه. أما بقية الدول العربية فقد كان لها موقف واضح وصريح في تغير سدة الحكم في العراق أثناء حرب الخليج الأولى...
كان لبعض هذه الدول علاقات ممتازة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والبعض الأخر كان حليفا لها في أثناء تلك الحرب...
كانت العلاقات العراقية الإيرانية في عهد الشاه جيدة وخير دليل على ذلك اتفاقية الجزائر المشئومة عام 1975 لكن هذه العلاقات انهارت عند اندلاع الحرب التي دامت بينهم طوال ثمان سنوات 1980- 1988. بعد ذلك و أثناء الحصار الدولي على العراق والذي استمر من عام 1991 حتى عام 2003 لم نكن العلاقات بالمستوى المطلوب...
عندما شنت أمريكا الحرب على العراق عام 2003، في بادئ الأمر كانت إيران معارضة للحرب، ثم أعلنت وقوفها على الحياد. وبعد سقوط نضام الحكم في العراق، أظهرت إيران ملامح الابتهاج بزوال النظام العراقي بعدها عادت وعززت علاقاتها مع العراق في ظل الحكومة الجديدة والتي غلب عليها التمثيل الشيعي، وبادرت بالاعتراف بها كحكومة شرعية. هذا ولا يخفي على احد التدخل الإيراني المباشر في العراق والعلاقات مع بعض الفصائل الشيعية والتأثير الكبير على الوضع السياسي وعدم استقرار الوضع الأمني، وهذا ما أزعج العرب السنة في العرق كثيرا لدرجة وصول الأمر إلى الاقتتال الداخلي بين السنة والشيعة في العراق.

العلاقة مع الجمهورية العربية السورية.
في الآونة الأخيرة دار الحديث حول موضوع الإعلان عن مفاوضات سرية، وغير مباشرة بين سورية وإسرائيل عبر وساطة تركية كانت متوقفة بينهم منذ عام 2000، وشهدت هذه المفاوضات تقدما كبيرا في مراحلها الأولى، وتم الاتفاق على الكثير من الأمور وهذا يدل على أنهم يمهدون الطريق لمفاوضات مباشرة، ويحاولون التوصل إلى إجراء حوار سياسي شامل وتطبيع العلاقات بينهم، واسترجاع الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل في حرب تشرين 1967، في هذه الحالة ستلعب سورية دورا أخر لم يكن متوقعا ألا وهو دور الحليف أي الوقوف في الحياد وستتخلى عن حليفتها إيران إذا ما أقدمت على حرب نتائجها واضحة وملموسة.

العلاقة مع الجمهورية اللبنانية.
إن للسيطرة الإيرانية على التيار الشيعي في لبنان والدعم المادي والمعنوي لها، عامل مهم وأساسي لبدء توسيع قاعدتها السياسية وازدياد حجمه وفرض نفوذه. لذلك أقدم حزب الله فرض هيمنته على الوضع السياسي اللبناني والتحكم بموازين القوة فيه، كما أنها عززت قاعدتها الشعبية الكبيرة من خلال تلك المساعدات ولذلك أصبحت لإيران يدا في الكثير من الأمور هنالك، كما أصبحت هي المرجعية السياسية والعقائدية لأكثرية التيار الشيعي في لبنان.
لكن وبعد الاتفاقيات الأخيرة وتشكيل الحكومة الجديدة وانتخاب رئيس جديد للبنان في أيار 2008 وتحالف لبنان وعلاقاتها المتينة مع الغرب وعملية السلام السورية الإسرائيلية سيضعف التدخل الإيراني إن لم ينتهي بالكامل.

العلاقة مع دولة إسرائيل.
في عام 1967 أقدمت إيران على اتخاذ عدة خطوات كان من شانها إحداث التوتر بينها و بين الدول العربية والخليجية بالأخص ومن أهم هذه الخطوات التطور في العلاقات بينها وبين إسرائيل من جانب وازدياد التعاون بينهم من جانب أخر سواءّ فيما يتعلق بالتنسيق في المجال ألاستخباراتي أو تدعيم العلاقات التجارية بينها، ثم توج التعاون الإسرائيلي الإيراني في عام 1962 بفتح مكتب اتصال إسرائيلي على مستوى السفارة في العاصمة الإيرانية طهران، هذا ما أدى إلى قيام مصر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وتدخل التيار القومي العربي بزعامة جمال عبد الناصر المواجهة الساخنة مع إيران بسبب موقفها من الصراع العربي الإسرائيلي.

العلاقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
توترت علاقات إيران مع دولة الإمارات العربية المتحدة عندما احتلت إيران الجزر الإماراتية الثلاث
1 ـ أبو موسى
2 ـ طنب الكبرى
3 ـ طنب الصغرى
وذلك في نوفمبر عام 1971 بعد جلاء الاحتلال البريطاني عن دولة الإمارات العربية المتحدة، علما إن أهمية هذه الجزر التي وما تزال تسيطر عليها إيران تكمن في التحكم على الخليج الذي يشكل ممر مائي وملاحي مهم وذو موقع استراتجي مهم بالنسبة للقارات الثلاث أسيا وأوربا وأفريقيا بالإضافة إلى ذلك توجد في هذه الجزر ثروات نفطية ومعدنية عديدة كل هذه الأسباب أدت إلى تعقيد مشكلة هذه الجزر. هذا وعرضت الإمارات على إيران إجراء مباحثات بشان هذه المسألة غير أن الجانب الإيراني نأى عن نفسه مناقشة المسألة، كما رفضت إيران عام 1996 الاقتراح المقدم من قبل مجلس التعاون الخليجي بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية.
ورغم هذا الخلاف الموجود بينهم وفي ظل التهديدات الأمريكية والغربية لإيران بسبب برنامجها النووي إلا أن دولة الأمارات العربية أكدت على أنها لن تسمح للولايات المتحدة باستعمال أراضيها لغرض التجسس على إيران، أو أن تكون منطلقا لأية عمليات عسكرية تستهدف إيران، لكنها في نفس الوقت لن تكون طرفا في مشكلة لا تمسها بصلة وسيكون لها دور حياديا إذا ما وقع المحظور.

العلاقة مع المملكة العربية السعودية.
يبدو أن الثورة الإسلامية في إيران شكلت هاجسا أسهم في توتر علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع معظم الدول العربية ومنها الخليجية بالأخص، كان للمملكة نصيبا من تلك التوترات لاسيما إن كلا الدولتين شكلا جزاءّ من المحور الأمريكي في المنطقة أثناء عصر الشاه وطوال فترة الحرب الباردة.
وبدأت العلاقات تتأزم بين الجانبين لعدة أسباب ومنها.
1ـ أثناء حرب الخليج الأولى بين العراق و إيران وجراء الدعم السعودي الواضح للحكومة العراقية آنذاك هذا ما جعل إيران تعيد النظر في علاقاتها مع المملكة والنظر إليها بجدية و بدقة.
2ـ التخوف الإيراني من العلاقات المتينة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
3ـ التخوف السعودي من فكرة تصدير الثورة إلى الدول العربية.
4ـ التدخل الإيراني في العراق لدعم وتمويل التيار الشيعي على حساب الطائفة السنية هذا ما أثار غضب السعوديين .
كل هذه الأسباب أدت إلى توتر العلاقات بين البلدين وإلى استمرار سياسة عدم الثقة بين البلدين منذ بداية الثمانينات ولحد ألان والى حيادية سياسة المملكة العربية السعودية تجاه إيران، خشية منها أن تلعب إيران دوراّ أكثر خطورةّ تجاه مصالح الدول العربية في المستقبل.

العلاقة مع دولة الكويت.
شهدت العلاقات الإيرانية الكويتية عبر مراحل تطورها حالات من المد والجزر حالها حال علاقات اغلب الدول في العالم، حيث كانت اغلب هذه الحالات ايجابية ولم يحدث أي شرخ في تلك العلاقات بين البلدين لحين بدء الحرب بين العراق وإيران في بداية الثمانينات.
في تلك الفترة تأزمت العلاقة بين الدولتين بسبب ميل الكويت إلى جانب العراق في بادئ الأمر، لكن وانطلاقا من الثقل السياسي والموقع المتميز بين الطرفين الإيراني والكويتي بشكل أو بأخر تحسنت العلاقة بين الدولتين لكن استراتيجية علاقة الكويت بأمريكا سيجعل دولة الكويت تقف إلى جانب من هو القوي والمسيطر مراعاةّ لمصالحها.

العلاقة مع دولة البحرين.
كانت العلاقة بين الدولتين متوترة نوعا ما وهذا يعود إلى عدد من الأسباب ومنها ما يلي.
1ـ في عام 1996 أعلنت حكومة البحرين عن كشفها مخطط إرهابي تموله إيران لقلب نظام الحكم في البحرين وهذا ما أثار مخاوف الحكومة البحرينية وأرغمها إلى الإسراع باتخاذ موقف جدي فقررت آنذاك سحب سفيرها من إيران باعتبار إن ما جرى هو تدخل في الشأن الداخلي لبلدهم.
2ـ كانت لدى دولة البحرين وثائق تؤكد بأن إيران تعمل بجهد حثيث لتصدير الثورة إلى بلدهم وهذا ما أثار غضبهم وازدادت مخاوفهم من توتر الوضع الداخلي في البلد.
3ـ كانت بين البلدين مشاكل حول قضايا المياه والموارد المائية.
هذا وجدير بالذكر إن البلدان وقعا العديد من الاتفاقيات الثنائية إلا إنها لم تكن بمستوى طموح الطرفين.
هذا يدل على أن دول البحرين غير معنية بما سيجري في إيران مستقبلا. ألا أنها حالها حال بقية الدول ستعمل جاهدةّ لمراعاة مصالح شعبها وبلدها. 



العلاقة مع سلطنة عمان.
شهدت العلاقات الإيرانية العمانية على مر السنين فترات من الصراعات والتعاون المشترك.
الروابط المشتركة بين الدولتين هي الدين الإسلامي وتقارب الحضارتين العربية والفارسية.
إلى جانب ذلك تواجد علاقات نسب بينهم بحيث كونت القبائل على جانبي مضيق هرمز علاقات جيدة.
هذا من جانب ومن جانب أخر حيوية العلاقات الاقتصادية والتعاون التجاري المشترك بين البلدين.
حيث أن للبلدين رؤية مشتركة لدعم وتطوير كافة أنواع التعاون وفي جميع المجالات وأبرم الجانبين عدة اتفاقيات منها اتفاقية تبادل الاستثمارات و اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي واتفاقية التعاون العلمي والفني إضافة إلى اتفاقيات أخرى.
علما إن سلطنة عمان هي الدولة العربية الوحيدة التي لها علاقات بهذه المستوى الرفيع مع إيران، لكن هل ستتأثر هذه العلاقات إذا ما تعرضت إيران إلي ضربة عسكرية مستقبلا.
هذه كانت نبذة عن العلاقات الإيرانية ـ العربية ... لكن يبقى السؤال، ماذا سيكون مصير هذه العلاقات مستقبلا وكيف سيكون موقف الدول العربية في حال تعرضت إيران إلى ضربة عسكرية ؟

المصادر والمراجع:ـ
1ـ العلاقة العراقية الإيرانية بين عهدين ـ محمد عبدالعاطي
2ـ العلاقة العراقية الإيرانية بين الأمس واليوم ـ د. عماد علو
3ـ العلاقات السعودية الإيرانية ـ من يكيد للأخر؟! ـ يوسف شلبي
4ـ العلاقات الإيرانية الخليجية ـ الحلقة الثالثة ـ أميرة قطب / الأمارات وإيران بين خلاف الجزر والمحفزات الاقتصادية ـ شاهر الأحمد
5ـ العلاقات الإيرانية ـ العربية ... دورية مختارات إيرانية، العدد 53 ديسمبر 2004م
6ـ العلاقات الكويتية الإيرانية رؤية تحليلية ـ اشرف محمد كشك
7ـ منوشهر متكي ـ العلاقات الإيرانية العربية ـ قناة الجزيرة ـ
لقاء اليوم ـ غسان بن جدو 1.6.2008
8ـ العلاقات العربية الإيرانية ـ المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق.



إدريس زوزاني
ألمانيا 23.07.2008

ليست هناك تعليقات: